بقلم سهام هوّاش، اختصاصية واستشارية في التربية الخاصة
الموهوبون هم فئة من الأفراد الذين يمتلكون قدرات استثنائية تتجاوز في بعض الأحيان ما يُعتبر طبيعيًا أو تقليديًا.
ليس من السهل دائمًا أن يكون الفرد موهوبًا. فعلى الرغم من أن الموهبة تُعتبر نعمة، إلا أن أصحابها كثيرًا ما يواجهون تحديات نفسية واجتماعية قد تكون خفية على من حولهم. الطفل أو الشاب الموهوب لا يعيش دائمًا في بيئة تُدرك احتياجاته المختلفة، وقد يشعر في كثير من الأحيان بأنه لا ينتمي، لا إلى أقرانه ولا إلى المنظومة التعليمية التقليدية.
الاهتمامات المختلفة، والطريقة السريعة في الفهم، والبحث المستمر عن التحدي، كلها أمور قد تجعله يشعر بالعزلة. قد يجد نفسه محاطًا بأشخاص لا يشاركونه شغفه، أو لا يفهمون طريقة تفكيره، مما يخلق فجوة يصعب ردمها بسهولة. ومع الوقت، يمكن لهذا الشعور أن يتفاقم، ليؤثر في نفسيته وعلاقاته مع من حوله.
في المقابل، يُتوقع من الموهوب دائمًا أن يكون الأفضل، أن يحقق النجاح دون عناء، وأن يكون مثالًا يُحتذى به. هذه التوقعات، وإن جاءت بدافع الحب أو الإعجاب، إلا أنها قد تتحول إلى عبء ثقيل. الخوف من خيبة أمل الآخرين، ومن الفشل، قد يولّد قلقًا دائمًا، ويجعل الموهوب أسيرًا لفكرة الكمال. كثيرًا ما نجدهم يعانون بصمت، تحت وطأة هذا الضغط، دون أن يُلاحظ أحد عمق ما يمرون به.
ومع غياب المناهج التي تُحفّز فكرهم أو تُراعي قدراتهم، يشعر البعض منهم بالملل، وربما باللامبالاة. يتحوّل الحماس إلى فتور، والشغف إلى احتراق نفسي صامت. فحين يشعر الإنسان أن قدراته لا تُستثمر، وأنه مُقيّد داخل نظام لا يُشبهه، يفقد الرغبة في التقدّم.
لذلك، فإن الموهبة لا تكتمل دون بيئة حاضنة، بيئة تُقدّر الفروقات الفردية، وتسمح بالتعلّم المتنوع، وتوفّر مساحة للتعبير الحر، داخل الصف وخارجه. لا بد من توافر برامج تعليمية مرنة، ومبادرات نفسية ترافق الموهوب في رحلته، وتدعمه لا فقط كمتفوق، بل كإنسان له مشاعره وتحدياته الخاصة.
ولا يمكن أن يقتصر الدعم على المدرسة فقط. فالأسرة لها دور محوري، والمجتمع أيضًا. من المهم أن تُدرك العائلة أن الموهبة لا تعني الكمال، وأن الطفل الموهوب يحتاج إلى احتواء، وإلى مساحة ليُخطئ ويتعلم، لا إلى توقع دائم بالنجاح. كما أن توفير فرص للمشاركة المجتمعية، والمساحات الآمنة للتعبير، يمكن أن يُحدث فرقًا حقيقيًا في حياة هؤلاء الأفراد.
في النهاية، الموهوبون ليسوا فقط عقولًا مميزة، بل هم أشخاص يحملون بداخلهم طاقات هائلة، قد تزدهر في البيئة المناسبة، أو تنطفئ في غياب الدعم. علينا أن ننظر إليهم بعينٍ من الفهم، وأن نُعيد التفكير في كيفية احتضان هذه الطاقات الاستثنائية بطريقة تُشبههم أكثر، وتُعطيهم ما يحتاجونه فعلًا، لا ما نتوقعه نحن.